وتقول "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في تحقيق نشرته، الثلاثاء، إنها تمكنت من الحصول على قرابة 547 بيان وفاة لمواطنين سوريين مختفين قسريا لدى النظام السوري، في دليل على أن الأفرع الأمنية للأخير قتلتهم بصمت و"دون أي ضجيج".
ولم يعلن النظام السوري عن حالات الوفاة المذكورة بشكل رسمي عبر دوائر السجل المدني، كما لم يخبر عائلاتهم، ومن بينهم نشطاء بارزين في الحراك الشعبي، على خلاف ما اتبعه في عامي 2018 و2019، إذ رصدت "الشبكة" الحقوقية، حينها، حصول العديد من العائلات على بيانات وفاة تعود لأبنائهم المختفين قسريا، بـ"محض الصدفة"، وفي أثناء إجراء المعاملات الروتينية في "دوائر السجل المدني".
منذ اعتقال النظام السوري ليحيى حجازي وابنيه (بدر، محمد) في مدينة حماة عام 2012 تعلق أقرباؤه بالأمل في أنهم ما زالوا على قيد الحياة، وربما يُطلق سراحهم يوما ما، لكن وبعد عشر سنوات من صمت السلطات تبددت آمالهم بعدما تواصلت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" مع عائلة الضحايا لإخبارهم بأنها حصلت على شهادات الوفاة للثلاثة.
يقول محمد نور، وهو قريب يحيى لموقع "الحرة": "كان لدينا أمل أنهم عايشين لأن لا علاقة لهم بالحراك الثوري. تواصلنا في السابق مع سماسرة من النظام السوري للكشف عن مصيرهم، لكنهم نصبوا الأموال ولم يخبرونا بأي شيء، إلى أن تبلغنا بوفاتهم من جانب الشبكة السورية".
ويوضح محمد نور أن النظام السوري اعتقل من "عائلة حجازي في 2012 47 شخصا (دفعة واحدة).
ويضيف: "كنا نعيش على أمل بأن يكون يحيى وأبناؤه على قيد الحياة. سبحان الله جاء خبر وفاتهم كالصدمة. رغم ذلك لا يزال الأمل موجودا بأن يكون البقية على قيد الحياة".
وهذه الحالة واحدة من مئات أخرى تحاول الشبكة الحقوقية إيجاد طريقة ما تكون على مراحل لإبلاغ العائلات بوفاة ذويها، استنادا على تفاصيل البيانات التي حصلت عليها من "مصادر داخلية".
ويقول مدير الشبكة السورية، فضل عبد الغني، لموقع "الحرة" إن "إخبار الأهل أن ابنهم المختفي توفي مهمة شاقة، خاصة عندما تسمع بكاء الأهل، وتبكي معهم".
ويضيف: "باختصار، يجب أن يكون التبليغ بالتدريج وعلى مراحل، ولهذا لم نتمكن من إبلاغ سوى عدد محدود من الأهالي (إلى الآن 23 عائلة)، وعملية الإبلاغ ما زالت مستمرة، وتتم عبر زميلة واحدة حصرا، ومن خلال رقم هاتفي".
الأشخاص الثمانية من بلدة دير العصافير، وكانوا اعتقلوا أثناء سيطرة النظام السوري على مناطق واسعة في الغوطة، في بدايات العام 2018. ويقول قريبهم بسام عز الدين لموقع "الحرة": "اعتقلوا في 21 مارس 2018 وتبين أنهم توفوا في مايو 2019. كلهم في يوم واحد".
و"بعد تحويلهم إلى سجن صيدنايا دفعنا مصاري كتير. وفي عام 2020 وصلنا إلى شخص ودخلت معه إلى المحكمة العسكرية في ساحة الأمويين. سلمني ورقة وقال لي: العمر إلك. كلهم توفوا في 28 مايو 2019".
حاول بسام وأقرباء المعتقلين لأشهر استخراج شهادات وفاة لأبنائهم الذين قضوا في صيدنايا، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل، ورغم أنهم تأكدوا أنهم متوفين من قبل مختار دير العصافير، إلا أن بيانات الوفاة تأكدوا منها بعد التواصل مع "الشبكة الحقوقية".
ويشير المتحدث إلى أن اعتقال أقربائه في عام 2018 لم يشملهم فحسب، بل طال أكثر من 100 شخص من "دير العصافير"، بينما أبلغ مختار البلدة كثيرين من العائلات بوفاة أبنائها، بعد أشهر قليلة من إلقاء القبض عليهم.
ومنذ عام 2011، وبعدما بدأ النظام السوري بمواجهة مناهضيه الذين خرجوا في الشوارع ضده أمنيا وعسكريا، أقدمت الأفرع الأمنية التابعة له على اعتقال مئات الآلاف من الأشخاص، من نساء وأطفال ورجال، وبينما استلمت عائلات جثثا من هؤلاء قضوا تحت التعذيب، بقي مصير البقية غير معلوم، وبذلك أدرجوا ضمن قوائم ضحايا الإخفاء القسري.
ولا يعلق النظام السوري على ما يجري داخل زنازين أفرعه الأمنية، من اعتقال تعسفي وإخفاء قسري وقتل تحت التعذيب، وهي ممارسات لطالما تحدث عنها وأثبتها معتقلون سابقون، ومنظمات حقوق إنسان دولية وسورية.
ويوضح التحقيق وشهادات الوفاة، التي نشرت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" قسما منها، أن "الآلية التي يتبعها النظام السوري في تسجيل الوفيات من المختفين قسريا لديه في دوائر السجل المدني تظهر تورط أعلى المستويات فيه في التلاعب بسجلات المختفين قسريا".
بدوره يشرح مدير الشبكة، عبد الغني أن ما كشفوه في الوقت الحالي يختلف تماما عن التقارير السابقة التي عملوا عليها في عام 2018 و2019 و2020. ويوضح أن "الاختلاف يكمن في أن التقارير السابقة وثقت إقدام النظام السوري على توفية المختفين في السجل المدني، لتذهب عائلاتهم فيما بعد إلى هذه الدائرة الحكومية وتصدم بالخبر".
وبعدما اتبع النظام السوري هذه الطريقة، شهدت دوائر "السجل المدني" تجمعات كبيرة لعائلات أرادت الحصول على إجابة بشأن مصير أبنائها المختفين، ما دفع النظام لإيقاف إعلام الأهالي عبر هذه الطريقة.
ويضيف عبد الغني: "أثبتنا محققين وباحثين هذا الأمر. في السابق كان لدينا تصور وشكوك"، في إشارة منه إلى نهج النظام السوري في قتل المختفين قسريا وتوفيتهم في دوائر السجل المدني، بعيدا عن أي إعلام أو تفاصيل أخرى.
ووفق بيانات "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، يتصدّر النظام السوري قائمة المختفين قسريا في سوريا، بـ95696 حالة. ويشير عبد الغني بقوله: "لدينا تخوف على هؤلاء، وأن يكون النظام السوري قد قتلهم".
"الموضوع صاعق وصادم"، ويتابع الحقوقي السوري من جانب آخر أن "نشر البيانات التي حصلنا عليها غير مهني وقانوني وأخلاقي، وهذا يتم من خلال التنسيق مع الأهالي وإخبارهم".
وتشير المخرجات القانونية التي أوردها تحقيق "الشبكة السورية" إلى أن النظام السوري يقوم بتسجيل المختفين قسريا، والذين يقتلون تحت التعذيب على أنهم ماتوا، دون فتح أي تحقيقات، ومن المسؤول عن هذا العدد الهائل من المواطنين السوريين.
وتثبت أن "النظام السوري لم يتقيد بأصول وإجراءات تسجيل المتوفين في مراكز الاحتجاز، التي من المفترض أن تتم عبر المحامي العام أو نائبه بتنظيم واقعة الوفاة، ثم إرسالها إلى أمين السجل المدني، ضمن المدة القانونية في تجاوز للمادتين 38 و39 من القانون رقم 13 لعام 2021، والمتضمن قانون الأحوال المدنية السوري الجديد".
كما خالف النظام السوري الأصول القانونية والأنظمة المتعلقة بالدفن، فوفقا لقانون العقوبات السوري فإن دفن الميت يعتبر جريمة "إذا وقع الفعل بقصد إخفاء الموت".
لكنه يضيف مستدركا: "أما موضوع المعتقلين لا يدخل ضمن عملية بيروقراطية بل بعملية ممنهجة. قتلهم ومن ثم توثيقهم".
في عام 2013 كان العش قد اعتقل في فرع "المخابرات الجوية"، وبعدما توفي معتقل ستيني كان بجانبه في الزنزانة، طلب منه السجانون "كتابة تقرير وفق ما يريدون والتوقيع عليه".
ويوضح العش: "توثيق التقرير كان من أجل زعم أن الوفاة برعشة، لكن الحقيقة أن وفاة المعتقل الستيني جاءت بسبب التعذيب. قبل يوم تم تعذيبه كثيرا. هذا مثال صغير لما يحصل في المعتقلات".
وبعد خروج الحقوقي السوري مروان العش من المعتقل تفاجئ بأن صورة السيتيني الذي توفي بسبب التعذيب كانت من بين صور "قيصر" المسربة. وقيصر هو اسم رمزي لسوري تمكن من تهريب آلاف الصور التي توثق جرائم النظام السوري في المعتقلات، وبفضلها أصدر الكونغرس الأميركي قانونا يحمل اسمه.
وفيما يتعلق ببيانات الوفاة يشرح العش أن عملية توثيق ضحايا التعذيب من جانب النظام تمر "بعملية طويلة ومعقدة تبدأ بأفرع المخابرات بتقارير أولية، ومن ثم تنتقل إلى الشرطة العسكرية ليتم إجراء الضبوط، وبعد ذلك بالتصوير عبر المشافي العسكرية".
"النظام يتبع هذا الأسلوب لطمس الجريمة بصمت وبالقطارة". ويعتقد الحقوقي السوري أن توثيق ضحايا التعذيب ببيانات الوفاة "يحصل في مسعى من النظام للهروب مستقبلا من أي مسؤولية".
ويتابع: "الخطر الأكبر أن النظام ربما يبرز الوثائق يوما ما، أثناء عقد محكمة خاصة وإحالة ملف سوريا للجنايات الدوليةن أو إلى محاكم خارج سوريا مثل كوبلنز، ومع وجود شهود".
وبينما تعمد أفرع النظام السوري على توثيق ضحايا تحت التعذيب بتقارير تكتب ويتم التوقيع عليها بيد المعتقلين، تُقدم أيضا على تبصيم من يخرج على 3 أوراق بيضاء "تحت الضغط والإكراه"، وأوراق أخرى يتم تعبئتها بيد المحققين، حسب الحقوقي والمعتقل السابق، مروان العش.
وجاء في التحقيق أن هذه الآلية بيروقراطية معقدة، تتورط فيها عدة مؤسسات حكومية، في مقدمتها الأجهزة الأمنية، وتتلخص في قيام مكتب الأمن الوطني وهو أعلى سلطة أمنية وعسكرية في سوريا، ويترأسه رئيس الجمهورية بالطلب من مترأسي الأفرع الأمنية والسجون العسكرية إرسال التقارير الخاصة للذين ماتوا في مراكز الاحتجاز، والبيانات المتعلقة بهم وأسباب الوفاة إلى الشرطة العسكرية".
وبعد وصول هذه التقارير والبيانات من قبل الشرطة العسكرية لمكتب الأمن الوطني على شكل دفعات بمراحل زمنية متتالية، يقوم المكتب بتنظيمها وإرسالها إلى وزارة الداخلية السورية على شكل دفعات.
وبدورها تقوم وزارة الداخلية بإعادة إرسال التقارير والبيانات إلى أمناء دوائر السجل المدني، بحسب ارتباط كل أمانة سجل مدني بالشخص المتوفي، وبناءً على ذلك يقوم موظفو السجل المدني بتثبيت وقائع الوفاة، ضمن سجلاتهم بناءً على التعليمات التي وردتهم.
وأثبت التحقيق أن قوات النظام السوري استهدفت باستراتيجية الإخفاء القسري كل من له علاقة بالحراك الشعبي المناهض لحكم العائلة، ويُظهر تحليل البيانات التي استعرضه انتشار هذه الظاهرة في المناطق التي تتميَّز بذلك.
------
الحرة
ولم يعلن النظام السوري عن حالات الوفاة المذكورة بشكل رسمي عبر دوائر السجل المدني، كما لم يخبر عائلاتهم، ومن بينهم نشطاء بارزين في الحراك الشعبي، على خلاف ما اتبعه في عامي 2018 و2019، إذ رصدت "الشبكة" الحقوقية، حينها، حصول العديد من العائلات على بيانات وفاة تعود لأبنائهم المختفين قسريا، بـ"محض الصدفة"، وفي أثناء إجراء المعاملات الروتينية في "دوائر السجل المدني".
منذ اعتقال النظام السوري ليحيى حجازي وابنيه (بدر، محمد) في مدينة حماة عام 2012 تعلق أقرباؤه بالأمل في أنهم ما زالوا على قيد الحياة، وربما يُطلق سراحهم يوما ما، لكن وبعد عشر سنوات من صمت السلطات تبددت آمالهم بعدما تواصلت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" مع عائلة الضحايا لإخبارهم بأنها حصلت على شهادات الوفاة للثلاثة.
يقول محمد نور، وهو قريب يحيى لموقع "الحرة": "كان لدينا أمل أنهم عايشين لأن لا علاقة لهم بالحراك الثوري. تواصلنا في السابق مع سماسرة من النظام السوري للكشف عن مصيرهم، لكنهم نصبوا الأموال ولم يخبرونا بأي شيء، إلى أن تبلغنا بوفاتهم من جانب الشبكة السورية".
ويوضح محمد نور أن النظام السوري اعتقل من "عائلة حجازي في 2012 47 شخصا (دفعة واحدة).
ويضيف: "كنا نعيش على أمل بأن يكون يحيى وأبناؤه على قيد الحياة. سبحان الله جاء خبر وفاتهم كالصدمة. رغم ذلك لا يزال الأمل موجودا بأن يكون البقية على قيد الحياة".
وهذه الحالة واحدة من مئات أخرى تحاول الشبكة الحقوقية إيجاد طريقة ما تكون على مراحل لإبلاغ العائلات بوفاة ذويها، استنادا على تفاصيل البيانات التي حصلت عليها من "مصادر داخلية".
ويقول مدير الشبكة السورية، فضل عبد الغني، لموقع "الحرة" إن "إخبار الأهل أن ابنهم المختفي توفي مهمة شاقة، خاصة عندما تسمع بكاء الأهل، وتبكي معهم".
ويضيف: "باختصار، يجب أن يكون التبليغ بالتدريج وعلى مراحل، ولهذا لم نتمكن من إبلاغ سوى عدد محدود من الأهالي (إلى الآن 23 عائلة)، وعملية الإبلاغ ما زالت مستمرة، وتتم عبر زميلة واحدة حصرا، ومن خلال رقم هاتفي".
"قتلوا في يوم واحد"
وإلى جانب عائلة "حجازي"، التي تبلغت بوفاة أبنائها الثلاثة من قبل "الشبكة السورية" بعد اعتقال دام لسنوات طويلة تبددت آمال عائلة "عز الدين" التي تنحدر من الغوطة الشرقية بريف العاصمة دمشق، بعدما اطلعت على بيانات وفاة 8 من أبنائها.الأشخاص الثمانية من بلدة دير العصافير، وكانوا اعتقلوا أثناء سيطرة النظام السوري على مناطق واسعة في الغوطة، في بدايات العام 2018. ويقول قريبهم بسام عز الدين لموقع "الحرة": "اعتقلوا في 21 مارس 2018 وتبين أنهم توفوا في مايو 2019. كلهم في يوم واحد".
و"بعد تحويلهم إلى سجن صيدنايا دفعنا مصاري كتير. وفي عام 2020 وصلنا إلى شخص ودخلت معه إلى المحكمة العسكرية في ساحة الأمويين. سلمني ورقة وقال لي: العمر إلك. كلهم توفوا في 28 مايو 2019".
حاول بسام وأقرباء المعتقلين لأشهر استخراج شهادات وفاة لأبنائهم الذين قضوا في صيدنايا، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل، ورغم أنهم تأكدوا أنهم متوفين من قبل مختار دير العصافير، إلا أن بيانات الوفاة تأكدوا منها بعد التواصل مع "الشبكة الحقوقية".
ويشير المتحدث إلى أن اعتقال أقربائه في عام 2018 لم يشملهم فحسب، بل طال أكثر من 100 شخص من "دير العصافير"، بينما أبلغ مختار البلدة كثيرين من العائلات بوفاة أبنائها، بعد أشهر قليلة من إلقاء القبض عليهم.
ومنذ عام 2011، وبعدما بدأ النظام السوري بمواجهة مناهضيه الذين خرجوا في الشوارع ضده أمنيا وعسكريا، أقدمت الأفرع الأمنية التابعة له على اعتقال مئات الآلاف من الأشخاص، من نساء وأطفال ورجال، وبينما استلمت عائلات جثثا من هؤلاء قضوا تحت التعذيب، بقي مصير البقية غير معلوم، وبذلك أدرجوا ضمن قوائم ضحايا الإخفاء القسري.
ولا يعلق النظام السوري على ما يجري داخل زنازين أفرعه الأمنية، من اعتقال تعسفي وإخفاء قسري وقتل تحت التعذيب، وهي ممارسات لطالما تحدث عنها وأثبتها معتقلون سابقون، ومنظمات حقوق إنسان دولية وسورية.
ويوضح التحقيق وشهادات الوفاة، التي نشرت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" قسما منها، أن "الآلية التي يتبعها النظام السوري في تسجيل الوفيات من المختفين قسريا لديه في دوائر السجل المدني تظهر تورط أعلى المستويات فيه في التلاعب بسجلات المختفين قسريا".
بدوره يشرح مدير الشبكة، عبد الغني أن ما كشفوه في الوقت الحالي يختلف تماما عن التقارير السابقة التي عملوا عليها في عام 2018 و2019 و2020. ويوضح أن "الاختلاف يكمن في أن التقارير السابقة وثقت إقدام النظام السوري على توفية المختفين في السجل المدني، لتذهب عائلاتهم فيما بعد إلى هذه الدائرة الحكومية وتصدم بالخبر".
وبعدما اتبع النظام السوري هذه الطريقة، شهدت دوائر "السجل المدني" تجمعات كبيرة لعائلات أرادت الحصول على إجابة بشأن مصير أبنائها المختفين، ما دفع النظام لإيقاف إعلام الأهالي عبر هذه الطريقة.
ويضيف عبد الغني: "أثبتنا محققين وباحثين هذا الأمر. في السابق كان لدينا تصور وشكوك"، في إشارة منه إلى نهج النظام السوري في قتل المختفين قسريا وتوفيتهم في دوائر السجل المدني، بعيدا عن أي إعلام أو تفاصيل أخرى.
"النظام له النصيب الأكبر"
وبحسب الأمم المتحدة، فإنه "يكثر استخدام الاختفاء القسري أسلوبا استراتيجيا لبث الرعب داخل المجتمع. فالشعور بغياب الأمن الذي يتولد عن هذه الممارسة لا يقتصر على أقارب المختفي، بل كذلك يصيب مجموعاتهم السكانية المحلية ومجتمعهم ككل".ووفق بيانات "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، يتصدّر النظام السوري قائمة المختفين قسريا في سوريا، بـ95696 حالة. ويشير عبد الغني بقوله: "لدينا تخوف على هؤلاء، وأن يكون النظام السوري قد قتلهم".
"الموضوع صاعق وصادم"، ويتابع الحقوقي السوري من جانب آخر أن "نشر البيانات التي حصلنا عليها غير مهني وقانوني وأخلاقي، وهذا يتم من خلال التنسيق مع الأهالي وإخبارهم".
وتشير المخرجات القانونية التي أوردها تحقيق "الشبكة السورية" إلى أن النظام السوري يقوم بتسجيل المختفين قسريا، والذين يقتلون تحت التعذيب على أنهم ماتوا، دون فتح أي تحقيقات، ومن المسؤول عن هذا العدد الهائل من المواطنين السوريين.
وتثبت أن "النظام السوري لم يتقيد بأصول وإجراءات تسجيل المتوفين في مراكز الاحتجاز، التي من المفترض أن تتم عبر المحامي العام أو نائبه بتنظيم واقعة الوفاة، ثم إرسالها إلى أمين السجل المدني، ضمن المدة القانونية في تجاوز للمادتين 38 و39 من القانون رقم 13 لعام 2021، والمتضمن قانون الأحوال المدنية السوري الجديد".
كما خالف النظام السوري الأصول القانونية والأنظمة المتعلقة بالدفن، فوفقا لقانون العقوبات السوري فإن دفن الميت يعتبر جريمة "إذا وقع الفعل بقصد إخفاء الموت".
"عملية ممنهجة"
في غضون ذلك يقول أمين سر مجلس المعتقلين والمعتقلات السوريين، مروان العش، إن النظام السوري "ووفق العمل البيروقراطي المتعارف عليه، يصدر شهادات وفاة لأي وفاة، سواء في حادث ما أو انفجار أو غير ذلك. هي عملية بيروقراطية بحتة".لكنه يضيف مستدركا: "أما موضوع المعتقلين لا يدخل ضمن عملية بيروقراطية بل بعملية ممنهجة. قتلهم ومن ثم توثيقهم".
في عام 2013 كان العش قد اعتقل في فرع "المخابرات الجوية"، وبعدما توفي معتقل ستيني كان بجانبه في الزنزانة، طلب منه السجانون "كتابة تقرير وفق ما يريدون والتوقيع عليه".
ويوضح العش: "توثيق التقرير كان من أجل زعم أن الوفاة برعشة، لكن الحقيقة أن وفاة المعتقل الستيني جاءت بسبب التعذيب. قبل يوم تم تعذيبه كثيرا. هذا مثال صغير لما يحصل في المعتقلات".
وبعد خروج الحقوقي السوري مروان العش من المعتقل تفاجئ بأن صورة السيتيني الذي توفي بسبب التعذيب كانت من بين صور "قيصر" المسربة. وقيصر هو اسم رمزي لسوري تمكن من تهريب آلاف الصور التي توثق جرائم النظام السوري في المعتقلات، وبفضلها أصدر الكونغرس الأميركي قانونا يحمل اسمه.
وفيما يتعلق ببيانات الوفاة يشرح العش أن عملية توثيق ضحايا التعذيب من جانب النظام تمر "بعملية طويلة ومعقدة تبدأ بأفرع المخابرات بتقارير أولية، ومن ثم تنتقل إلى الشرطة العسكرية ليتم إجراء الضبوط، وبعد ذلك بالتصوير عبر المشافي العسكرية".
"النظام يتبع هذا الأسلوب لطمس الجريمة بصمت وبالقطارة". ويعتقد الحقوقي السوري أن توثيق ضحايا التعذيب ببيانات الوفاة "يحصل في مسعى من النظام للهروب مستقبلا من أي مسؤولية".
ويتابع: "الخطر الأكبر أن النظام ربما يبرز الوثائق يوما ما، أثناء عقد محكمة خاصة وإحالة ملف سوريا للجنايات الدوليةن أو إلى محاكم خارج سوريا مثل كوبلنز، ومع وجود شهود".
وبينما تعمد أفرع النظام السوري على توثيق ضحايا تحت التعذيب بتقارير تكتب ويتم التوقيع عليها بيد المعتقلين، تُقدم أيضا على تبصيم من يخرج على 3 أوراق بيضاء "تحت الضغط والإكراه"، وأوراق أخرى يتم تعبئتها بيد المحققين، حسب الحقوقي والمعتقل السابق، مروان العش.
"على مراحل"
ويشير تحقيق "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" إلى أن النظام السوري بدأ في تسجيل الوفيات من المختفين قسريا لديه في دوائر السجل المدني منذ عام 2013 ولكنه لم يكشف عنها سوى مع بدايات عام 2018.وجاء في التحقيق أن هذه الآلية بيروقراطية معقدة، تتورط فيها عدة مؤسسات حكومية، في مقدمتها الأجهزة الأمنية، وتتلخص في قيام مكتب الأمن الوطني وهو أعلى سلطة أمنية وعسكرية في سوريا، ويترأسه رئيس الجمهورية بالطلب من مترأسي الأفرع الأمنية والسجون العسكرية إرسال التقارير الخاصة للذين ماتوا في مراكز الاحتجاز، والبيانات المتعلقة بهم وأسباب الوفاة إلى الشرطة العسكرية".
وبعد وصول هذه التقارير والبيانات من قبل الشرطة العسكرية لمكتب الأمن الوطني على شكل دفعات بمراحل زمنية متتالية، يقوم المكتب بتنظيمها وإرسالها إلى وزارة الداخلية السورية على شكل دفعات.
وبدورها تقوم وزارة الداخلية بإعادة إرسال التقارير والبيانات إلى أمناء دوائر السجل المدني، بحسب ارتباط كل أمانة سجل مدني بالشخص المتوفي، وبناءً على ذلك يقوم موظفو السجل المدني بتثبيت وقائع الوفاة، ضمن سجلاتهم بناءً على التعليمات التي وردتهم.
وأثبت التحقيق أن قوات النظام السوري استهدفت باستراتيجية الإخفاء القسري كل من له علاقة بالحراك الشعبي المناهض لحكم العائلة، ويُظهر تحليل البيانات التي استعرضه انتشار هذه الظاهرة في المناطق التي تتميَّز بذلك.
------
الحرة